اعتذارات زوج بكامل قواه العاطفية
السلام عليكم
إعتذارات زوج بكامل قواه العاطفية
هذه سطور منتزعة من رسالة وجهها زوج الى زوجته ،
قبل ساعات من إدخاله غرفة العمليات لإزالة ورم في الدماغ .
صاحب الرسالة يدعى نائل أما زوجته فتدعى بيداء وقد سكبت على حد تعبيرها ،
ألف متر مكعب من الدموع ، حين قرأت الرسالة وحين تقرؤونها لن تذرفوا دمعة واحدة ،
لقد وجدت في هذه الرسالة اعترافات شيقة يندر أن يبوح بها رجل ،
ألا وهو على حافة الهاوية .. كتب نائل (( عزيزتي بيداء . ها انا أكتب عزيزتي ، ثم ألوم نفسي .
لماذا لا أخاطبك بعبارة حبيبتي؟ ولماذا هذا الحياء الكاذب، الذي يلازمنا حتى في أحرج لحظات حياتنا ،
فيأخذنا التفكير في : ماذا لو وقع هذا الخطاب في يد أحد ؟ ماذا لو قرأه أحد أولادنا ؟
وكأن من العـيب على الرجل أن يـُبدي حُبـّه لزوجته أمام أطفالهما . وإذن : حبيبتي بيداء .
ما ألطفها هذه الكلمة ، وانا أخطها في غرفتي في المستشفى ، والهدوء مخيـّم حولي وقد غادر الزوار وخلت الممرات ،
وحان الوقت لكي أكتب لك ما لم أقـُـله لك من قبل وأن أصارحك بحقيقة مشاعري نحوك ،
يا حبيبتي وام اولادي . لاتقولي انه اعياء المرض ، يدفعني الى تصرفات سأندم عليها حين استعيد عافيتي .
انا الآن بكامل قواي العاطفية ،وكنت أتمنى لو قلت لك كل هذا الكلام قبل أسبوع ، أو قبل شهر ، أو قبل سنتين ،
أو في كل يوم من الأيام ،التي عشناها معاً انا وانت ، أي منذ اكثر من عشرين سنة . هل كان من الضروري
أن ينمو الورم الملعون في جمجمتي ،لكي أتشجع واقول لك : يا حبيبتي ؟ فاعلمي إذن انك كنت دائما في قلبي ،
وانني مقبل على عملية ، وانني مقبل على عملية جراحية قد لا أقـوم منها سالما ،
وانني نادم على كل يوم مر بي من دون أن أبدي لك حبي وامتناني ، وأن اقبـّل يدك ،
التي ساندتني في اصعب الاوقات . اسمعي يا بيداء : هذه قائمة بالافعال ، التي مارستها طوال عشرين عاماً
ومن حياتنا معاً ، وكلها كانت افعالا طائشة أثارت أعصابك وجعلتك تتذمرين وتتعبين ،
وها انا أعتذر لك عنها فهل تقبلين اعتذارات بالجملة ، تأخرت كثيراُ؟
أعتذر عن كل سيجارة أطفأتها في آنية النباتات الداخلية ، بينما المنفضة لا تبعد عني سوى متر .
أعتذر عن استلقائي كل مساء على الكنبة ، أمام التلفزيون ، دون أن افسح المجال لك لتجلسي
الى جواري في آخر النهار، أنت المتعبة بألـف عمل وعمل منزلي .
أعتذر عن خلعي جوربي في أي مكان في البيت ، ودسهما تحت اي منضده منخفضة أو وسادة من وسائد الصالون
أو رميها تحت سريرنا ، بعيدا عن متناول يدك ، ماكان يضطرك الى الحبو كل يوم بحثا عنهما ،
في حين أن سلة الغسيل أمام ناظري في الحمام .
أعتذر عن إهمالي وقلـّة لياقتي حين كنت أقف أمام مرآة الحمام لأشذب لحيتي (التي تحبينها )
ثم أترك لك المغسلة وكأنها مزبلة بشعة المنظر ،
أعتذر عن فرشاة أسناني التي كنت أنسى ان أغسلها بعد الإستعمال، وعن أنبوبة معجون الأسنان ،
التي يسقط غطاؤها ارضاً فلا اكلف على نفسي عبء الانحناء والبحث عنها ،
تاركا الأشغال الشاقة المؤبده لك وحدك . هل تكفي رسالة ، على باب غرفة العمليات ،
للإعتذار عن كل تلك الليالي التي غفونا فيها جنبا الى جنب ، دون قبلة او حتى كلمة حانية ؟
أو الإعتذار عن تلك الصباحات التي غادرتك فيها معطرا انيقا لامع الشعر دون عبارة وداع
تاركا مائدة الفطور كأنها ساحة حرب؟
أعتذر بشكل خاص عن تلك الليالي ، بعد ولادة كل واحد من ابنائنا ، حين كنت انقل مضجعي
الى غرفة أخرى لأنام هادئ البال ، تاركا لك عذاب السهر وإرضاع الوليد ، والقلق من حمى مفاجئة
او مرض طارئ وكأنني اب مستقيل من الابوة .
لاتقولي يا حبيبتي العزيزة إنها كلمات رجل يخاف الموت ، فإذا كتب الله سبحانه وتعالى الحياة لي غداً ،
.
أعدك بأنني سأبدأ معك صفحة جديدة تليق بك ، بنا معاً
انتهت الرسالة ،
.
.
.
وعاد نائل الى حياته الطبيعية .
وأراهن على أن أنبوبة معجون الأسنان مازالت من دون غطاء ، وان الجوربين تحت السرير ،
ومع ذلك أراهن أن بيداء في أحسن حالاتها بعد أن قرأت الرسالة ، التي تحلم بها كل الزوجات